تحضيرات المولد النبوي الشريف في الجزائر 1443 … في خضم سنويا هجرية عصرية، تُطل على المسلمين موقف عزيزة وذكرى غالية محملة بالنفحات الدينية العطرة والنسمات الروحية الزكية. ذكرى تدعو كلَّ ذي قلب سليم إلى التأمل العميق في سيرة رجل أُميٍّ بدأ وجوده في الدنيا راعيا للغنم وأنهاها قائدا للإنسانية. رجلٌ خسر حنان أبويه صغيرا

تحضيرات المولد النبوي الشريف في الجزائر 1443

فكسب حب المسلمين كبيراً، رجل ازدراه الكفار والمشركون ولاقى من ضمنهم أذى بكثرةً، فنصره الله عليهم وأرسله رحمة للناس وسراجا منيراً. يصبح على علاقة الشأن برسول رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الخلق أجمعين، محمد عليه الصلاة والسلام، الذي يخلد المسلمون في مجموعة من دول المنطقة العربية والإسلامية ذكرى مولده الكريم في ثاني عشر ربيع الأضخم من سنويا هجرية.

تاريخ مولد النبي

تتضارب الأقوال بخصوص الزمان الماضي الدقيق لمولد الرسول عليه الصلاة والسلام. وليس غريبا اختلاف أهل العلم في تحديد تاريخ مولده تحديدا، ولا عجيبا قلة المناشئ المتاحة في ذلك الأمر، فلا واحد من كان يعرف ما سوف يكون لذلك الوليد من شأن في المستقبل، ولا واحد من كان يتكهن ما سيصير إليه ذاك المولود في تاريخ الكون والآدمية جمعاء. خسر إستمر بعيدا عن الأضواء إلى حين بعثته، وبقي مغمورا حتّى جاءه الوحي في غار حراء، ليبدأ البحثُ والنبشُ في تاريخه الشريف، على يد رواياته الشخصية للأحداث التي عايشها في مدة نشأته الأولى، وعلى يد ما رواه أهله وأصحابه والمقربون منه عن هذه الوقائع. وإنشاءً على هذا، فإن المنتشر عند أهل العلم أنه وُلد الإثنين ثاني عشر ربيع الأكبر سنة 571 ميلادية التي وقعت فيها مصيبة الفيل.

قرار الإحتفال بالمولد النبوي

انقسم أهل العلم في موضوع جواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بين من يشاهد فيها تعارضاً مع ما أتى في الكتاب والسنة وأنها إجراء مستحدث يدخل في باب البدع التي نهانا الرسول عليه الصلاة والسلام عن إتيانها وأخبرنا أن عقوبتها النار، وبين من يشاهد فيها بدعة حسنة لا تخالف الكتاب والسنة والإجماع، وأن لا حرج في الاحتفال بها لتذكُّر الرسول عليه الصلاة والسلام واستحضار مساره الفكري والدعوي، واستكشاف سيرته النبوية العطرة. ونتزعم لكم وفي السطور التالية أفكار الفرقتين وأكثر أهمية الحجج والدلائل المعززة قوى المعارضة للاحتفال بتلك الواقعة الدينية.

فكرة المؤيدين للاحتفال بالمولد النبوي

يستند المؤيدون للاحتفال بذكرى المولد النبوي على دلائل من كتاب الله الخاتم والسنة النبوية وأقوال الصحابة. فمن كتاب الله الخاتم يستدلون بقوله إيتي في سورة يونس: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير الأمر الذي يجمعون}. ولما كان النبي رحمة للعالمين، فلا حرج في الفرح والاحتفال به وبذكرى مولده. ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم يستدلون بما ورد عن النبي صلى الله فوقه أنه سئل مرة عن دافع صيامه يوم الاثنين فقال: لأني فيه ولدت. فلو كان النبي ذاته يحتفل بيوم مولده بالصيام، فما المانع من احتفال المسلمين به؟ ومن أقوال الصحابة يستدلون بقول سيدنا عمر حالَما جمع الناس لقيام رمضان بالمسجد على الرغم من ترك النبي لذا: “نَعِمَت البدعة”. فهي بدعة حسنة مادام المقصد منها تذكُّر النبي وسيرته والتضرع أعلاه وإطعام القوت وإخراج الصدقات.

وجهة نظر المعارضين للاحتفال بالمولد النبوي

يعتمد قوى المعارضة للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف على ما أتى في قليل من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والاجتهادات الفقهية، فمن كتاب الله الخاتم يستدلون بقوله هلم في سورة المائدة: {اليوم أنهت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}. ويعتبرون الاحتفال بالمولد النبوي من باب الزيادة في الدين بعد أن أكمله الله سبحانه وتعالى. ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم يستدلون بقول النبي في الحوار الذي رواه مسلم: (إياكم ومحدثات الموضوعات، فإن كل مجددة بدعة

وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). ويشيرون على أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أحدثها الفاطميون بعده ولا أساس لها في الشرع. ومن الاجتهادات الفقهية يستدلون بما يتفرج عليه عدد محدود من العلماء والفقهاء من أن الاحتفال بمولد النبي فيه تشبه بالنصارى وهو من باب الغلو في حب الرسول و إمتنانه، وقد يترتب عن ذاك فساد في الدين واختلال في العقيدة.
متى بدأ الاحتفال بالمولد النبوي؟

بواسطة التأمل في السيرة النبوية وتاريخِ الصحابة والتابعين بعدهم، يوضح أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف لم يبدأ سوى في القرن الـ4 الهجري مع ظهور الجمهورية الفاطمية في جمهورية مصر العربية، ويتفق أغلب العلماء والفقهاء على عدم حضور منبع إسلامي يوميء إلى بداية الاحتفال بذكرى المولد النبوي قبل ذاك الزمان الماضي.

ويتأكد ذاك القول بما نقله المقريزي في مخطوطاته من أن الفاطميين هم أول من احتفل بتلك الواقعة واتخذوها عيداً ينضاف إلى لائحة طويلة من الأعياد والمواسم التي كانوا يحتفلون بها، أهمها أعياد الموالد الستة وهي: مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن والدي طالب رضي الله سبحانه وتعالى عنه، ومولد الحسن والحسين وفاطمة رضي الله سبحانه وتعالى عنهم، ومولد الخليفة الجاري.