نتيجة ثورة 23 يوليو “الحركة المباركة” .. بصرف النظر عن مرور 67 عاما على وقائعها، ما زال ما جرى في الـ23 من تموز (يوليو) 1952 بأحداثه الوفيرة وتفاصيله المتشابكة، حانوت جدل واستفسار، وإنْ أجمع الكثيرون على “اعتبارها منبع إلهام لا للداخل المصري وبحسب، لكن على الصعيدين الأهلي والدولي”. فمنذ الاستحداث لها وحتى قيامها

نتيجة ثورة 23 يوليو “الحركة المباركة”

 

إذ دخول جمهورية مصر العربية مدة “مفصلية في تاريخها”، وتحولها من الثروة إلى الدولة، حظت “الحركة المبروكة” بحسب توصيف القائمين فوق منها من “الضباط الأحرار”، بعناية وبحث وكتابة لم يماثله أي وقع أجدد في تاريخ جمهورية مصر العربية المحادثة.

ومن مذكرات من شاركوا في الحدث، مروراً بكتب من عاصروه، وروايات شهود العيان، وانتهاءً بالمؤرخين والمحقِّقين والساسة في سنين وعقود لاحقة تلت ذلك الزمان الماضي تجادلت وتباينت الأقلام وما تزال بشأن توصيفها بين “ثورة أم انقلاب؟”، والعصري بخصوص مشروعها ونتائجها، ليبقى السؤال، ما الذي توجد من “حركة الضباط الأحرار في جمهورية مصر العربية مقابل الثروة في الـ3 والعشرين من تموز 1952؟”.

ماذا جرى في 23 تموز

 

بحسب قصة المؤرخين والكتّاب، كانت الأجواء قبل تموز (يوليو) 1952، توحي بشيء من الانغلاق في الأفق ووصول الأحوال إلى فترة لم تحدث قبل ذلك من الضعف، فمع مطلع هذا العام حاصر الضباط الإنجليز ترتيب أجهزة الأمن في الإسماعيلية، وأجروا مذبحة للضباط في 25 كانون الثاني (يناير)، وفي اليوم اللاحق وقع حريق العاصمة المصرية القاهرة عقب مسيرات غاضبة إذ سيطرت الحالة الحرجة شوارع العاصمة، ودمرت مئات المحال والمتاجر والمنشآت أفضت إلى مقتل العشرات، في الوقت الذي كان ضباط أجهزة الأمن في القاهرة عاصمة مصر يتظاهرون في مواجهة قصر عابدين، وعلى الإثر أقال الملك فاروق وزارة مصطفى النحاس، واستدعى علي حاذق لاستحداث الوزارة القريبة العهد، قبل أن يستبعده من منصبه ويجيء بأحمد نجيب الهلالي على رأس السُّلطة.

ووسط كل تلك الأجواء، كان ثمة تجهيز محجوب في نطاق قوات الجيش مشكل من عدد يسير من الضباط، سموا أنفسهم “الضباط الأحرار”، يتحينون اللحظة لإزاحة الملك عن السلطة.

في مذكراته “كنت رئيساً لمصر”، يحكي محمد نجيب، أول رئيس للدولة القريبة العهد عقب انقضاء الحكم الملكي، ورئيس حركة “الضباط الأحرار”، “إن من كان يعرف بخطة ليلة الـ3 والعشرين من تموز 10 ضباط لاغير، أما البقية فتم تحديد مهمات محددة لهم، فكمثال على هذا، عبداللطيف البغدادي كانت مهمته الاستيلاء على القاعدة الجوية بمهبط طائرات ألماظة، أما حسين الشافعي وخالد محيي الدين فكان عليهما الاستيلاء على سلاح الفرسان، وقد كان على عبد المنعم أمين الاستيلاء على سلاح المدفعية، وقد كان على صلاح سالم وجمال سالم الاستيلاء على مجموعات الجنود في العريش، وقد كان عليّ المكث في البيت حتى الاستيلاء على مركز الريادة”.

إنجازات ثورة 23 يوليو 1952

وبالتطابق مع المخطط نفسها، ذكر روعة حمّاد، واحد من الضباط الأحرار، والمؤرخ العسكري المشهور في كتابه “أسرار ثورة 23 تموز”، “إن التدبير كانت بالأساس مبنية على إحكام القبضة على قوات الجيش بالاستيلاء على عقار الريادة العسكرية بكوبري القبة، يتولى قيادة تلك الوحدات 3 شخصيات هم بهاء عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، وعبد اللطيف بغدادي، ثم اعتقال عدد محدود من كبار ضباط القوات المسلحة لضمان عدم تحريك قوة عسكرية لمجابهة لهم، ثم محاصرة قصر عابدين، وإقفال بوابات القاهرة عاصمة مصر، وفرض السيطرة على مهابط الطائرات الثلاثة الأساسية في العاصمة (ألماظة، ومصر القريبة العهد، وغرب العاصمة المصرية القاهرة)، بعدها ينهي إستحداث حكومة مدنية تحظى بثقة الشعب، ثم المدة الأخيرة القضاء على الملك ذاته”.

وعن ميعاد تأدية التدبير، تباينت القصص في معظم المذكرات التي كُتبت من قِإلا أن “الضباط الأحرار”، سوى أنها أجمعت في مجملها، إلى أن اللحظة الحاسمة كانت منتظرة على حسب إمتنان قادتهم، ففي عشية 19 تموز (يوليو) اجتمع الضباط الأحرار في مركز اجتماعهم المعتاد، ببيت خالد محيي الدين، لنقاش كيف يمكن تطبيق إحكام القبضة على السلطة وإزاحة الملك في أقرب وقت.

وحسب مذكرات نجيب، “أصدر قرارا المجتمعون في عشية عشرين تموز أنه لا طريق إلا تحريك القوات المسلحة في عملية انقلاب”، إلا أن إنتظر واستمر السؤال عن إمكانياتهم ونفوذهم واحتمالية توفيق تحركهم. “وفي اليوم الآتي إتضح 22 تموز اجتمع الـ14 ضابطا من قيادات الحركة في بيت خالد محيي الدين لاستعراض المخطط بصورة ختامية، وتتخذ قرار أن يستمر المسألة طي الكتمان حتى تمام الساعة 8 عشية، وقد كانت كلمة المرور (نصر). وفي تمام الساعة الثالثة صبيحة 23 تموز كان الجزء الأضخم من التدبير قد تم تطبيقه؛ التقدم العسكرية أسفل الهيمنة، وقيادات القوات المسلحة في سجن الإجمالية الحربية، وجمال عبد الناصر يصل اللواء محمد نجيب هاتفياً بآخر التقدمات”.

ويسرد محمد نجيب “مرت الساعات الأولى في الثورة عليّ كسنوات كنت أقرأ كتاب الله الخاتم وعيناي شاخصتان على التليفون، وفكرت زيادة عن مرة في ارتداء الزي العسكري والذهاب إلى الريادة لكني تراجعت تخوفاً من إفساد المخطط”.

يواصل: “هاتفني من الإسكندرية وزير الداخلية وقتها محمد المراغي وأبلغني وهو يتوسل لي كضابط وطني إنهاء تلك الحركة، فالضباط إن لم يتوقفوا سيتدخل الإنجليز، لأتلقى مهاتفة مشابهة للأولى من وزير التجارة ثم رئيس السُّلطة، حتّى اتصل بي الصاغ حُسن حماد لإبلاغي بنجاح الجولة الاولى من التدبير، قامت بالذهاب إلى قنطرة القبة واستقبلني اليوزباشي إسماعيل ذو مواصفات متميزة”.

ويحكي الكاتب المشهور محمد حسنين هيكل، واحد من صحافيي العهد الناصري المقربين من السلطة، فائضا من التفصيلات في كتابه “وقوع منظومة.. لماذا كانت ثورة تموز 1952 ضرورية؟”، “إنه عند وصول عقارب الساعة العاشرة والنصف من عشية الثلاثاء 22 تموز 1952، كان يجلس بييته يترقب مهاتفة هاتفية من الصاغ سعد تفوق ليبلغه برسالة من البكباشي حُسن عبدالناصر، ولم يكن يعلم ما تحمله الرسالة، بل طبعا كنت متأكداً بأنها لها رابطة بالمشهد السياسي العام في مصر، وحين بلغت الساعة إلى الحادية 10 سوى 1/4 دق جرس جهاز المحمول، بل لم تكن المهاتفة التي أنتظرها، وإنما كانت من الوزير محمد متميز زعلوك إذ سأل هيكل: هل عرفت أن القوات المسلحة تدنى الشارع؟، وبأن عند (القصر والوزارة) بيانات أن ثمة ظرف عصيان في القوات المسلحة”.

يواصل هيكل “لدى الساعة الرابعة سوى ثلث فجرا، بلغت إلى عقار (رئاسة جمعية زوايا المعركة)، وقد كان بلغ قبله اللواء محمد نجيب واستقبله عبد الحكيم عامر ليبلغه بأن العاصمة المصرية القاهرة أسفل الهيمنة”، ليسأل نجيب عن ظرف الفرقة الأولى مشاة العريش، (وتعد قوة أساسية في هذا الزمن)، ليطمئنه عبد الحكيم “بأن تأييد الفرقة للمعركة أكيد وفي الطريق”، ووجد جميع مجلس زعامة الثورة ثمة، وشدد سعد تفوق لهيكل “أن الريادة عامتها في نطاق مكتب مدير هيئة زوايا المعركة مجتمعين باللواء محمد نجيب وبعد عشر دقائق خرج حُسن عبد الناصر من مكتب رئيس الزوايا وقد كانت تمتطي وجهه 1/2 ابتسامة، وصرح أمامنا لقاء أجدد لم يبق منه العديد 1/2 ساعة على الأكثر وسأعود، وقد كان يقف خلفه عبد الحكيم عامر”.

“وفي الساعة السادسة وخمس دقائق، دعا سعد نجاح إلى حجرة مؤتمر الريادة لأقل من دقيقة، ورجع وبصحبته ورقة هي صورة من خطبة سوف ينشر بعد وقت قصير (الساعة السابعة) من إذاعة العاصمة المصرية القاهرة ولذا ما تم فعليا لأن كتائب الجيش سادت على استديوهات الإذاعة، وقد كان (الكلام رقم 1 من زعامة حركة كتائب الجيش)”.

وانتقل في الساعات الأولى من الغداة محمد أنور السادات وعدد من العسكريين إلى مركز الإذاعة لإلقاء خطبة “الحركة”، أتى فيه، “من اللواء زوايا الموقعة محمد نجيب الزعيم العام للجيش إلى أهل مصر، اجتازت جمهورية مصر العربية مدة عسيرة في تاريخها الأخير من الإرتشاء والفساد وعدم استقرار الحكم، و كان قد لجميع تلك الأسباب نفوذٌ جسيمٌ على القوات المسلحة، وتتسبب في المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في معركة فلسطين، وأما مرحلة ما عقب تلك المعركة خسر تضافرت فيها أسباب الفساد وتآمر الخونة على القوات المسلحة وتولى كلفه إما جاهل أو مخادع أو تالف؛ كي تكون جمهورية مصر العربية من دون قوات مسلحة يصونها”.

وأكمل الكلام “وعلى هذا ولقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في في نطاق القوات المسلحة رجالٌ نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم، ولا بد أن جمهورية مصر العربية جميعها ستتلقى ذلك النبأ بالابتهاج والترحيب، أما من رأينا اعتقالهم من رجال القوات المسلحة الفائتين فهؤلاء لن يحصل عليهم ضرر وسيطلق سراحهم في الدهر الموائم”.